سورة الأحزاب - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


قوله عز وجل: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً} أي للرسل بالتبليغ وقيل شاهداً على الخلق كلهم يوم القيامة {ومبشراً} أي لمن آمن بالجنة {ونذيراً} أي لمن كذب بالنار {وداعياً إلى الله} أي إلى توحيده وطاعته {بإذنه} أي بأمره {وسراجاً منيراً} سماه سراجاً منيراً لأنه جلا منه ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير، وقيل معناه أمد الله بنور نبوته نور البصائر كما يمد بنور السراج نور الأبصار ووصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يضيء. فإن قلت لم سماه سراجاً، ولم يسمه شمساً والشمس أشد إضاءة من السرج وأنور. قلت: نور الشمس لا يمكن أن يؤخذ منه شيء بخلاف نور السراج فإنه يؤخذ منه أنوار كثيرة {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً} أي ما تفضل به عليهم زيادة على الثواب وقيل: الفضل هو الثواب وقيل هو تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم {ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم} قال ابن عباس: اصبر على أذاهم لا تجازهم عليه وهذا منسوخ بآية القتال {وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً} أي حافظاً. قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} أي تجامعوهن، ففي الآية دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح حتى لو قال لامرأة أجنبية إذا نكحتك فأنت طالق، أو قال: كل امرأة أنكحها فهي طالق فنكح لا يقع الطلاق، وهذا قول علي وابن عباس وجابر ومعاذ وعائشة وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وطاوس، الحسن وعكرمة وعطاء وسليمان بن يسار، ومجاهد والشعبي وقتادة وأكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي وروي عن ابن مسعود أنه يقع الطلاق، وهو قول إبراهيم النخعي وأصحاب الرأي وقال ربيعة ومالك والأوزاعي: إن عين امرأة وقع وإن عمم فلا يقع وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كذبوا على ابن مسعود، وإن كان قالها فزلة من عالم الرجل يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق والله يقول: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن، روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق فيما لا تملك ولا عتق فيما لا تملك ولا بيع فيما لا تملك» أخرجه أبو داود والترمذي بمعناه.
(خ) عن ابن عباس قال: جعل الله الطلاق بعد النكاح أخرجه الترمذي في ترجمة باب بغير إسناد عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق قبل النكاح» {فما لكم عليهم من عدة تعتدونها} أي تحصونها بالأقراء والأشهر، أجمع العلماء أنه إذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة، فلا عدة وذهب أحمد إلى أن الخلوة توجب العدة والصداق {فمتعوهن} أي أعطوهن ما يستمتعن به قال ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها صداقاً فلها المتعة وإن كان قد فرض لها صداقاً فلها نصف الصداق، ولا متعة لها وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله: {فنصف ما فرضتم} وقيل: هذا أمر ندب فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر وقيل: إنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية: {وسرحوهن سراحاً جميلاً} أي خلوا سبيلهن بالمعروف من غير إضرار بهن.
قوله عز وجل: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزاوجك اللاتي آتيت أجورهن} أي مهورهن {وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك} أي من السبي فتملكها مثل صفية وجويرية، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم {وبنات عمك وبنات عماتك} يعني نساء قريش {وبنات خالك وبنات خالاتك} يعني نساء بني زهرة {اللاتي هاجرن معك} إلى المدينة فمن لم تهاجر، منهن لم يجز له نكاحها عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله {إنا أحللنا لك أزواجك} الآية قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} أي أحللنا لك امرأة مؤمنة، وهبت نفسها لك بغير صداق فأما غير المؤمنة، فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه وهل تحل الكتابية بالمهر، فذهب جماعة إلى أنها لا تحل له لقوله: {وامرأة مؤمنة} فدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة، وكان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر لقوله: {خالصة لك من دون المؤمنين} والزيادة على أربع ووجوب تخيير النساء واختلفوا في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال ربيعة ومالك والشافعي: وقال إبراهيم النخعي وأهل الكوفة، ينعقد بلفظ التمليك والهبة، ومن قال بالقول الأول اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد في حقه صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة، لقوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، كما في حق سائر الأمة لقوله تعالى: {إن أراد النبي أن يستنكحها} وكان اختصاصه في ترك المهر لا في لفظ النكاح واختلفوا في التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهل كانت عنده امرأة منهم فقال ابن عباس ومجاهد: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد النكاح، أو بملك يمين وقوله: {إن وهبت نفسها} على سبيل الفرض والتقدير، وقال آخرون: بل كانت عنده موهوبة، واختلفوا فيها فقال الشعبي هي زينب بنت خزيمة الأنصارية الهلالية أم المساكين، وقال قتادة هي ميمونة بنت الحارث وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل هي أم شريك بن جابر: من بني أسد وقال عروة بن الزبير: هي خولة بنت حكيم من بني سليم.
وقوله تعالى: {قد علمنا ما فرضنا عليهم} أي أوجبنا على المؤمنين {في أزواجهم} أي من الأحكام وهو أن لايتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر {وما ملكت أيمانهم} أي ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين {لكيلا يكون عليك حرج} وهذا يرجع إلى أول الآية معناه أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لكي لا يكون عليك ضيق {وكان الله غفوراً} أي للواقع في الحرج {رحيماً} أي بالتوسعة على عباده.


قوله تعالى: {ترجي} يعني تؤخر {من تشاء منهن وتؤوي إليك} أي تضم عليك {من تشاء} قيل هذا للقسم بينهن وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه الوجوب وصار الاختيار إليه فيهن، وقيل نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب بعضهن زيادة النفقة فهجرهن شهراً حتى نزلت آية التخيير فأمره الله تعالى أن يخيرهن فمن اختارت الدنيا فارقها، ويمسك من اختارت الله ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينحكهن أبداً وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن ويرجي من يشاء فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعضهن، دون بعض، أو فضل بعضهن في النفقة والكسوة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط. واختلفوا في أنه هل أخرج أحداً منهن من القسم فقال بعضهم: لم يخرج أحداً بل كان صلى الله عليه وسلم مع ما جعل الله له من ذلك يسوي بينهن في القسم، إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم، وجعلت يومها لعائشة وقيل: أخرج بعضهن. روي عن أبي رزين، قال: لما نزل التخيير أشفقن أن يطلقن فقلن يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا فأرجى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن، وآوى إليه بعضهن فكان ممن آوى عليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينت، وكان يقسم بينهن سواء وأرجى منهن خمساً أم حبيبة وميمونة وسودة وجويرة وصفية، فكان يقسم لهن ما يشاء وقال ابن عباس تطلق من تشاء منهن، وتمسك من تشاء وقال الحسن: تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من النساء قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله صلى الله وعليه وسلم وقيل تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها.
(ق) عن عروة قال: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي، وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجي من تشاء منهن قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك {ومن ابتغيت ممن عزلت} أي طلبت أن تؤدي إليك امرأة ممن عزلتهن عن القسمة {فلا جناح عليك} أي لا إثم عليك فأباح الله له ما ترك القسم، لهن، حتى إنه ليؤخر من يشاء منهن من نوبتها ويطأ من يشاء منهم في غير نوبتها ويرد إلى فراشه من عزل منهن، تفضيلاً له على سائر الرجال {ذلك أدنى أن تقرأ أعينهن ولا يحزن} أي ذلك التخيير الذي خبرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن، وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله تعالى {ويرضين بما آتيتهن} أي أعطيتهن {كلهن} من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء {والله يعلم ما في قلوبكم} أي من أمر النساء إلى بعضهن {وكان الله عليماً} أي مما في ضمائركم {حليماً} أي عنكم.
قوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد} أي من بعد هؤلاء التسع اللاتي اخترنك وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن ذلك وحرم عليه النساء سواهن، ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، قاله ابن عباس: واختلفوا هل أبيح له النساء بعد ذلك فروي عن عائشة أنها قالت «ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء» أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن صحيح، وللنسائي عنها «حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما يشاء» وقال أنس «مات رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحريم» وقيل لأبي بن كعب لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكان يحل له أن يتزوج قال: وما يمنعه من ذلك قيل له قوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد} قال: إنما أحل له ضرباً من النساء فقال تعالى: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك} الآية ثم قال {لا تحل لك النساء من بعد} وقيل معنى الآية لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات {ولا أن تبدل بهن من أزواج} أي بالمسلمات غيرهن من الكتابيات، لأنه لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك أي من الكتابيات فتسري بهن وقيل في قوله: {ولا تبدل بهن أزواج} كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم، يقول الرجل للرجل انزل لي عن امرأتك وأنزل عن امرأتي فأنزل الله تعالى: {ولا أن تبدل بهن من أزواج} أي تبادل بهن من أزواج أي تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته فحرم ذلك {إلا ما ملكت يمينك} أي لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت، فأما الحرائر فلا {ولو أعجبك حسنهن} يعني ليس لك أن تطلق أحد من نسائك، وتنكح بدلها أخرى، ولو أعجبك جمالها، قال ابن عباس: يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب لما استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فنهي عن ذلك {إلا ما ملكت يمينك} قال ابن عباس: ملك بعد هؤلاء مارية {وكان الله على كل شيء رقيباً} أي حافظاً وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء، ويدل عليه ما روى عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» أخرجه أبو داود.
(م) عن أبي هريرة أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً» قال الحميدي: يعني هو الصغر عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «هل نظرت إليها قلت: لا قال فانظر إليها فانه أحرى أن يؤدم بينكما» أخرجه الترمذي: وقال حديث حسن.


قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} الآية قال أكثر المفسرين نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بن جحش حين بنى لها رسول الله صلى الله عليه سلم.
(ق) عن أنس بن مالك: أنه كان ابن عشر سنين مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال فكانت أم هانئ تواظبني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخدمته عشر سنين وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما نزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش حين أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروساً فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي رهط عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس ولم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة، وظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب زاد في رواية قال دخل يعني النبي صلى الله عليه وسلم البيت وأرخى الستر، وإني لفي الحجرة وهو يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} إلى قوله: {والله لا يستحيي من الحق}.
(ق) عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل، إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح، وكان عمر رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم، احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فنادها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب، المناصع المواضع الخالية، لقضاء الحاجة من البول أو الغائط والصعيد وجه الأرض والأفيح الواسع.
(ق) عن أنس وابن عمر أن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت: يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت الآية الحجاب واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن} فنزلت كذلك.
وقال ابن عباس: إنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام قبل أن يدرك ثم يأكلون، ولا يخرجون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم، فنزلت الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} يعني إلا أن تدعوا {إلى طعام} فيؤذن لكم فتأكلون {غير ناظرين إناه} يعني منتظرين نضجه ووقت إدراكه {ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم} أي أكلتم الطعام {فانتشروا} أي فاخرجوا من منزله وتفرقوا {ولا مستأنسين لحديث} أي لا تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك {إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم} أي فيستحيي من إخراجكم {والله لا يستحيي من الحق} أي لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال، وقيل: لا يستحيي من الحق بمعنى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم وهذا أدب أدب الله به الثقلاء، وقيل: بحسبك من الثقلاء أن الله لم يحتملهم {وإذا سألتموهن متاعاً} أي وإذا سألتم نساء النبي صلى الله عليه وسلم حاجة {فاسألوهن من وراء حجاب} أي من وراء ستر فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم متنقبة كانت أو غير متنقبة {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} أي من الريب {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} أي ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً} نزلت في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم، قال إذا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأنكحن عائشة. قيل هو طلحة بن عبيد الله فأخبر الله أن ذلك محرم، وقال {إن ذلك كان عند الله عظيماً} أي ذنباً عظيماً وهذا من إعلام تعظيم الله لرسوله الله صلى الله عليه وسلم، وإيجاب حرمته حياً وميتاً وإعلامه بذلك مما طيب نفسه وسر قلبه واستفرغ شكره فإن من الناس من تفرط غيرته على حرمه حتى يتمنى لها الموت قبله لئلا تنكح بعده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7